الأربعاء، 20 مايو 2009

17 - دولة فلسطينية بحدود 1967م - رؤية قانونية


دولة فلسطينية بحدود 1967م - رؤية قانونية

بحث قانوني من إعداد الدكتور// السيد مصطفى أحمد أبو الخير

رئيس المجلس الاستشاري للجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان(راصد)
أستاذ في القانون
الدولي العام

لم يكن أوباما أول رئيس أمريكي يطرح فكرة قيام دولة فلسطينية بحدود عام 1967م، ودولة إسرائيلية على الباقي من أرض فلسطين، أي قيام دولة إسرائيلية/ يهودية على الأراضي الفلسطينية التي أحتلها الكيان الصهيوني قبل عام 1967م وهى تبلع حوالى 78% من مساحة فلسطين، وقيام دولة فلسطينية على الجزء المتبقي من فلسطين وهو 22% من مساحة فلسطين، ولكن سبقه غيره، فهذه الفكرة – فكرة تقسيم فلسطين لدولتين – نشأت عام 1937م، ورفضها اليهود قبل العرب.

كما أن بعض الزعماء العرب أقترح هذه الفكرة وآخرهم الملك عبد الله عاهل السعودية، وقد وافق عليها الرئيس الراحل ياسر عرفات في تونس عام 1988م، وحتى الآن لا تزال هذه الموافقة هى موقف السلطة الفلسطينية، بل إنها تتمنى ذلك وترجوه، ولكن الجديد أن فكرة حدود عام 1967م فى خطاب أوباما الأخير، أن حدود عام 1967م هى التى يبدأ منها الحديث عن حدود الدولة الفلسطينية، أى أن هذه الحدود ليست ثابتة بل متحركة طبقا لما تصل إليه المفاوضات بين الفلسطينين والكيان الصهيونى، ورغم ذلك رفض نتن ياهو هذه الفكرة على الإطلاق صراحة ودون مواربة، وقال لا رجعة لحدود عام 1967م، والقدس عاصمتنا الموحدة والأبدية للدولة اليهودية.

هذه الفكرة التي ترى قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران / يونيو عام 1967م، طبقا للقانون الدولى العام المعاصر غير قانونية وباطلة بطلانا مطلقا، لمخالفتها قواعد مبادئ عامة فى القانون الدولى العام، أهمها مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة، وهو مبدأ عام ومتفق عليه ومستقر فى القانون الدولى، ومفاد هذا المبدأ أن القوة لا تخلق الحق بل تحميه، وقد نص على هذا المبدأ فى العديد من قرارات الأمم المتحدة، سواء قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، أهم هذه القرارات قرارى رقم 242 والقرار رقم 337 عن مجلس الأمن، ولأن ذلك يعتبر مكافأة للكيان الصهيوني لاحتلاله الأرض.

إن توصية التقسيم رقم 181 لعام 1947م منعدمة قانونا، وتعتبر عملا ماديا وليس تصرفا قانونيا، أي أنها لا تنتج أي أثر قانوني في القضية الفلسطينية، وكل ما ترتبت عليها باطل بطلانا مطلقا، للآتي:

– مخالفة توصية التقسيم للمادة الأولي الفقرة الثانية والمادة (55) من ميثاق الأمم المتحدة بشأن مبدأ حق تقرير المصير للشعوب، وهو من المبادئ العامة في القانون الدولي التي لا يجوز مخالفتها ولا حتى الاتفاق علي مخالفتها طبقا للمادة (34) من قانون المعاهدات عام 1969م.

- مخالفة قرار التقسيم 181 للمادة (10) من ميثاق الأمم المتحدة التي تخولها حق التقدم بتوصيات دون اتخاذ القرارات.

- إن توصية التقسيم رقم 181 لعام 1947م مشوبة بالبطلان لأنها لم تكتسب الدرجة القطعية وتصبح قراراً نهائيا طبقا لإجراءات الأمم المتحدة، وقد قام مجلس الأمن والجمعية العامة بإلغائها ووقف تنفيذها حيث أصدر مجلس الأمن القرار رقم (27) بتاريخ 19/ 3/ 1948م وقرر المجلس فيه بأنه ليس لديه الاستعداد لتنفيذ توصية التقسيم رقم (181/ لسنة 1947م) ويوصي بإعادة القضية الفلسطينية للجمعية العامة، وفرض وصاية مؤقتة على فلسطين تحت وصاية مجلس الأمن، ولكن هذا الإجراء لم ينفذ كلياً أو جزئياً، إضافة إلى ذلك أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14/ 5/ 1948م قرارها الثاني المتضمن إعفاء لجنة فلسطين من أية مسؤوليات, التي نصت عليها المادة (2) من قرار التقسيم 181/ لسنة 1947م والعمل على إجراء تسوية سلمية لمستقبل الوضع في فلسطين.

– يخالف قرار التقسيم مبدأ احترام الحقوق المتساوية للشعوب، ومبدأ حق المساواة في السيادة بين الدول الوارد في المادة الثانية الفقرة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية المنصوص عليه في المادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة.

وترتيبا على ما سبق من البطلان المطلق لتوصية التقسيم 181/لسنة 1947م، فضلا عن الإلغاء من جانب الجمعية العامة ومجلس الأمن، يتم بطلان كافة الآثار والأفعال التي ترتبت عليها، وكذلك بطلان كافة القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تخالف ما سبق من قواعد عامة آمرة في القانون الدولي، وكذلك كافة التصرفات التي قامت بها قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية كافة من النهر إلي البحر بما فيها مدينة القدس الشريف كاملة .

الأرض التي أعطيت لهذا الكيان الصهيونى ليست أرضه وليست من حقه لأنه سيطر عليها بالقوة وبدون سند من القانون والواقع فهو سلطة احتلال، وذلك مخالف لمبدأ تحريم الاستيلاء علي أراضي الغير بالقوة، وهو من المبادئ العامة/ الآمرة في القانون الدولي، التي لا يجوز الاتفاق علي مخالفتها، كما أن وسيلة اكتساب أرض إقليم الدولة عن طريق الغزو أو الفتح، كانت من وسائل القانون الدولي التقليدي الذي أنتهي، باعتماد وثبات مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، لذلك فإن الإقليم يعتبر غير مملوك للكيان الصهيوني فهي أرض محتلة، وطبقا لقانون الاحتلال الحربي فأن الاحتلال لا ينقل السيادة للمحتل بل تبقي الأرض ملكا لأصحابها وهم أبناء الشعب الفلسطيني، كما أن الاحتلال بطبيعته مؤقت، والتوقيت هنا يجعل وجود الصهاينة في فلسطين مؤقت طبقا لقانون الاحتلال الحربي، مما يعني عدم توافر شرط ملكية أرض إقليم الدولة، والإقامة المستمرة فيها.

بصدور قرار الجمعية العامة رقم 1514 الدورة (15) الصادر في 14 كانون الأول / ديسمبر 1960م الخاص بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وقد نص علي ( أنه لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، بوضع حد لجميع أنواع الأعمال المسلحة أو التدابير القمعية، الموجهة ضد الشعوب التابعة، لتمكنها من الممارسة الحرة والسليمة لحقها في الاستقلال، وتحترم سلامة ترابطها الوطني، وأنه يصار فورا إلي اتخاذ التدابير اللازمة، في الأقاليم المشمولة بالوصاية أو الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، أو جميع الأقاليم الأخرى التي لم تنل بعد استقلالها، لنقل جميع السلطات إلي شعوب تلك الأقاليم، دون أية شروط أو تحفظات، ووفقا لإرادتها ورغبتها المعلن عنها بحرية، لتمكينها من التمتع بالاستقلال والحرية التامين.) يكون وجود الصهاينة في فلسطين غير شرعي، وينبغي إنهاء الاحتلال الصهيوني وحصول فلسطين علي استقلالها، وليس مكافأته على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني.

وقد أكدت الجمعية العامة على أن حقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف، بما في ذلك حقه في تقرير المصير وحقه في نيل الاستقلال والحصول علي حريته، وإنهاء وتصفية الاستعمار الجاسم علي ترابه، وذلك في عدة قرارات أشهرها القرار رقم (2535) بشأن التأكيد علي أن حقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف،أي أنها ثابتة، والقرار رقم (3236) الصادر في 22/نوفمبر 1974م وقد أكدت فيه الجمعية العامة على أن الحقوق الفلسطينية لا يمكن التنازل عنها والتصرف فيها وأن هذه الحقوق تقع في فلسطين، والقرار رقم (2672) بشأن التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتم تشكيل لجنة للعمل على توفير تلك الحماية والحصول علي كافة حقوقه.

كما نصت المادة السابعة من صك الانتداب علي منح اليهود الجنسية الفلسطينية، وليس تكوين دولة على أي جزء من أرض فلسطين من النهر إلي البحر، فقد كانت فلسطين من الدول التي تقع تحت الانتداب الفئة (أ) مثل سوريا ولبنان، وكانت لفلسطين جنسية متميزة عن جنسية دولة الانتداب، وقد بينت ذلك المادة السابعة من وثيقة الانتداب التي نصت على (تتولي إدارة فلسطين سن قانون الجنسية، ويجب أن يشتمل ذلك القانون على نصوص تسهل اكتساب الجنسية الفلسطينية لليهود الذين يتخذون فلسطين مقاما دائما لهم...)

والغريب في الأمر رغم كل ما سبق، لم تقبل الأمم المتحدة فلسطين دولة عضوا بها، علما بأنه تم الإعلان عنها عام 1988م ووافقت عليها أكثر من مائة وأربعة وعشرين دولة، مما يضعها في دائرة التواطأ والاتهام، فقد أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم (3210) بتاريخ 14/أكتوبر/ 1974م، بقبول منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب بالأمم المتحدة، وهذا القرار اعتراف بشرعية الحقوق الفلسطينية، ولكنه قرار معيب وناقص، لأن مفاد القرار اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية مراقب وليس فلسطين، لماذا لم ينص القرار على اعتبار فلسطين عضوا، مما يؤكد التواطأ والاتهام، بعد حيادية الأمم المتحدة قبل القضية الفلسطينية، وأصدرت القرار رقم (3237) في 22/ نوفمبر عام 1974م بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها مراقب دائم لحضور كافة الدورات وجميع المؤتمرات الدولية التي تعقدها وترعاها الجمعية العامة بشأن القضية الفلسطينية، وطبقا للميثاق فإن المراقب ليس من حقه سوي الاستماع لما يتم في الدورات والمؤتمرات، وليس له حق التصويت ولكنه يقدم مقترحات في الموضوعات التي تتصل به.

على الرغم من اتهام الأمم المتحدة بمخالفة ميثاقها، إلا أنها كانت أفضل حالا من الدول العربية والإسلامية، فقد أصدرت العديد من القرارات في صالح القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ولكن الدول العربية والإسلامية، لم تتمسك بها، ولم تستخدم الآليات القانونية سواء داخل الأمم المتحدة أو خارجها، وأهم هذه القرارات القرار الخاص بطرد "إسرائيل" من الأمم المتحدة وفرض حصار عسكري وسياسي واقتصادي عليها وهو قرار الجمعية العامة الملزم رقم (37/123) الصادر في 16/12/1982م طبقا للمادة (12) من الميثاق، وقد تكرر هذا القرار لأكثر من عشرة سنوات متتالية، مما يعني أنه ملزم لكافة أعضاء الأمم المتحدة.

يدل ذلك علي أن كافة حقوق الشعب الفلسطيني في المقاومة والاستقلال والحرية وتكوين دولته على أرضه وعودة اللاجئين إلي ديارهم، حقوق طبيعية، والحقوق الطبيعية لا يملك القانون الدولي حيالها سوى تنظيم الحصول عليها، ولا يملك حق منعها أو الانتقاص منها، فهي ثابتة ثبات الطبيعة، ويقع كل ما يخالف ذلك باطلا بطلانا مطلقا، مما يعني أن القرارات الصادرة مخالفة لذلك هي فعل مادي لا يرتب عليه القانون الدولي أي أثر قانوني، مهما كانت الجهة صادرة القرار حتى ولو الأمم المتحدة، أو أطراف المشكلة الدولية أي حتى لو كان الفلسطينيون أنفسهم أو عن طريق من يدعي تمثيله حتى لو كان تمثيله صحيحا.

ترتيبا على ما سبق فإن فكرة إنشاء دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيه عام 1967م، هى غير قانونية ومخالفة للقانون الدولى العام المعاصر، فضلا عن عدم معقوليتها، لأن الباقي من فلسطين عام 1967م، هي قطع أراضى غير متصلة وتمثل 22% من أرض فلسطين، وهى عبارة عن القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة، وهى غير متصلة بل هى قطع منفصلة عن بعضها البعض مما يحول دون قيام دولة بالمعنى السياسى المعروف، فضلا عن أن الكيان الصهيونى وضع مغتصبات تجعل مجرد الانتقال من مكان لمكان فى الأراضى المحتلة بعد عام 1967م شبه مستحيل، كما أن الدولة المطروحة على هذه المساحة لا تملك مقومات الدولة من حيث الموارد الاقتصادية، وستكون معتمدة اعتمادا كليا على ما يجود به الكيان الصهيونى لها من موارد حتى الموارد المائية بيده، كما أن المطلوب منها أن تكون منزوعة السلاح تماما وليس لها أى سيادة لا على الأرض ولا على الحجر ولا البشر، وتلك مهزلة، على الفلسطينين أن يرفضوا ذلك تماما ويتمسكون بالمقاومة وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر وهذا حق مشروع كفله القانون الدولي .

إنتهى البحث

هناك تعليق واحد:

saeed sami يقول...

this is a test comment