الأحد، 4 ديسمبر 2011

spare 59 - المايسترو والربان -


المايسترو والربان
*
تتردد كثيرا بين العديد من المفكرين والمصلحين الإجتماعيين مقولة أن السعادة الأسرية لا يمكن أن تتحقق إلاّ إذا وُجِدَ قائد واحد فقط  في الأسرة بغض النظر عما إذا كان الأب أو الأم ، إعتمادا على المقدرة والكفاءة العقلية العالية ، وتمتُع هذا القائد بالخبرات الحياتية الواسعة والمتعددة ، بحيث يكون متفوقا على الطرف الآخر في كل شيء كالحصافة والعدالة والرحمة والحزم  والبصيرة وبعد النظر .
لقد أثبتت تجارب الحياة عدم صحة هذه النظرية ، إذ تبين للجميع أن هذه النظرية يمكن تطبيقها فقط في جميع مناحي الحياة ، كتسلم أعلى منصب في البلاد كالملك أو رئيس جمهورية ، وكذلك منصب رئيس وزراء او وزير أو سفير أو حتى قائد عام للقوات المسلحة او مدير عام أو عميد جامعة والعديد العديد من المناصب أكانت في القطاع العام أو في القطاع الخاص .
وأما خلية الأسرة الإنسانية فإنها  تعتبر من أهم وأعقد وأدق الخلايا التي خلقها الله سبحانه وتعالى ، حيث أن لدى كل من الأب والأم الكرامة الإنسانية والأحاسيس والمشاعر النفسية الجياشة والإعتداد بالنفس وبُغض الإستبداد والإستعباد والإذلال والقهر والظلم ، كما أنهما متساويان بالقيمة الإيمانية والمعنوية أمام الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة . وبما أن الكمال لله وحده ، فإن تسليم القيادة وزمام الأمور لفرد واحد دون غيره ، سينجم عنه - بلا أدنى شك – العديد من الأخطاء والهفوات  وهدر الحقوق من قبل ذلك القائد الفرد المطلق تجاه الطرف الآخر مهما حاول أن يعدل ولن يستطيع .
ولكي تستقيم الحياة الأسرية بالشكل الطبيعي بحيث تكون خالية من المنغصات والإساءآت وهدر الحقوق ، ولكي ينعم جميع أفراد الأسرة بالسعادة التي مبعثها الرئيسي هو الإحترام والتقدير والتكريم وإحساس كل فرد فيها بكرامته الإنسانية وعزته وعنفوانه والتحرر من الخوف والرعب وبحريته التي منحه إياها الله رب العالمين ، فإن المنطق والعدالة يحتمان وجود قائد فذ عادل حكيم حصيف حازم رحيم كريم دقيق لا يخطأ أبدا ولا يظلم أحدا ، لكي يقود هذه الخلية الأسرة ويوصل جميع أفرادها إلى بر الأمان .
إن ربان السفينة حينما يتعذر عليه رؤية نور المنارة في ليلة ظلماء حالكة السواد عاصفة ممطرة ، فإنه يستعين بمساعده الأول الذي يعتمد عليه كليا في كل شيء ، وعندما يتعذر أيضا على ذلك المساعد رؤية نور تلك المنارة ، فإنهما يستعينان حينئذ بجميع من هم على متن تلك السفينة ، وعندما يعجز الجميع عن رؤية ذلك النور المُنجي من الهلاك ، فإنهم حينئذ يلتجئون إلى الله الواحد الأحد سبحانه وتعالى .
إن المنارة التي لا ينطفئ نورها أبداٌ في كل آن وزمان هو الله سبحانه وتعالى ، وهو الذي يُنير لنا الظلمات ويُخرجنا منها بفضله إلى النور .
ومن ناحية أخرى ، فإننا إذا أردنا أن نعتبر أن الأب والأم هما العازفان الرئيسيان في أوركسترا الحياة ، فالأجدر بهما أن يتقيدا بالنوتة الموسيقية تقيدا دقيقا ، وكذلك أولادهما وبناتهما الذين هم أيضا من العازفين ، وبذلك تكتمل سيمفونية الحياة ، وتكون ألحانها رائعة وجميلة بلا أية أصوات ناشزة .
وحتى المايسترو الذي يقود العازفين ، وهو ليس بمؤلف للنوتة ، فإنه يكون عِرضة للأخطاء ، بعكس المايسترو الذي هو مؤلف تلك النوتة ، فنراه يقود العازفين بكل يقظة وإنتباه وإتقان ، ويحرص كل الحرص على أن تصل ألحان السيمفونية إلى أعلى مراتب الروعة والجمال .
 فإذا كان مؤلف النوتة الموسيقية يبذل قصارى  فكره وجهده وخبرته من أجل الوصول بتلك السيمفونية إلى قمة الكمال والجمال ، فإن الله سبحانه وتعالى قد أهدانا من لدنه أعظم منارة وأعظم نوتة ألا وهي القرآن الكريم الخالد .
سعيد محمد سامي
الكويت في 21/3/2012



ليست هناك تعليقات: